الخميس، 25 أكتوبر 2012

الحرية القاتلة

  السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
قد وجدنا الكلام التالي في كتيب ((تلبيس مردود في قضايا حية))
د. صالح بن عبد الله بن حميد
إمام وخطيب الحرم المكي الشريف
فكان علينا أن ننقله لكم
يقول الكاتب (( جيبون )) : (( إن الصليبيين خدّام الرب يوم استولوا على بيت المقدس في 15/7/1099م رأوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء في مذبحة استمر ثلاثة أيام بلياليها حطموا رؤوس الصبيان على الجدران وألقوا بالأطفال الرضع من سطوح المنازل وشووا الرجال والنساء بالنار و بقروا البطون ليروا هل ابتلع أهلها الذهب ... ثم يقول الكاتب : كيف ساغ لهؤلاء بعد هذا كله أن يضرعوا إلى الله طالبين البركة والغفران )) . العلاقات الدولية لكامل الدقس ص /333

ويقول جوستاف لوبون : عن فعل الصليبيين بمسلمي الأندلس : (( لما أجلي العرب - يعني المسلمين - سنة 1610م اتخذت جميع الذرائع للفتك بهم فقتل أكثرهم وكان من قتل إلى ميعاد الجلاء ثلاثة ملايين من الناس في حين أن العرب لما فتحوا أسبانيا تركوا السكان يتمتعون بحريتهم الدينية محتفظين بمعاهدهم ورئاستهم .... وقد بلغ من تسامح العرب طوال حكمهم في أسبانيا مبلغاً قلما يصادف الناس مثله هذه الأيام )) . - حضارة العرب - جوستاف لوبون ص /279 .

وفي أيامنا هذه نقرأ في وثائق اليهود نحو أهل فلسطين : (( يا أبناء إسرائيل ، اسعدوا واستبشروا خيراً لقد اقتربت الساعة التي سنحشر فيها هذه الكتل الحيوانية في اصطبلاتها وسنخضعها لإرادتنا ونسخرها لخدمتنا )) .- انظر : مكايد يهودية عبر التاريخ لعبد الرحمن الميداني ص / 446 وما بعدها نقلاً عن وثائق اليهود التاريخية من نشر جواد رفعت في كتابه (( الإسلام وبني إسرائيل )) .

وفي روسيا الشيوعية أغلقت الحكومة أربعة عشر ألف مسجد في مقاطعة تركستان وفي منطقة الأورال سبعة آلاف مسجد وفي القوقاز أربعة آلاف مسجد وكثير من هذه المساجد حولت إلى دور البغاء وحوانيت خمر واصطبلات خيول وحظائر بهائم وفوق ذلك التصفية الجسدية للمسلمين ويكفي أن نعلم أنهم قتلوا في ربع قرن ستة وعشرين مليون مسلم مع تفنن في طرق التعذيب والقتل .

والدول الشيوعية الدائرة في فلك روسيا حذت حذوها ففي يوغسلافيا أباد تيتو ما يقارب مليون مسلم .

وفي سنواتنا الحاضرة هذه تنصب الملاحقة والمتابعة لجميع الحركات الإسلامية والتوجهات الإسلامية في الفلبين وأندونيسيا وشرق أفريقيا بصور ظاهرة مفضوحة فضلاً عن الطرق الخفية في كثير البلاد .

فيا ترى أين الحرية ويا ترى من المتعصب ومن هو المتسامح .... ؟؟؟؟

المصدر: تلبيس مردود في قضايا حية

الحرية في الإسلام


و من ثم كان لابد من التوضيح: ففى الدين الإسلامي, يؤمن المؤمن ويرضى بقضاء ربه وقدره وهو بإيجاز شديد أن الله -تعالى- هو بكل شيء عليم, بما كان وما هو كائن وما سيكون، وكل ذلك في كتاب من قبل الكون, وقد بين الله للناس على ألسنة رسله طريق الرشد والضلال, وترك لهم الاختيار, كماقال -تعالى- في سورة البلد:(وهديناه النجدين){10} أي طريقى الخير والشر وفي سورة الكهف:(فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.....){29}. فالإنسان له حرية الاختيار، والعلم عند الله، وكل شيء بمشيئة الله. والمؤمن يعلم أن ما أصابه ما كان ليخطئه وما أخطئه ما كان ليصيبه فيرضى ويسلم بأمر ربه.

الحرية والدين


تبرز هنا دائما اشكالية فلسفية دينية في الجمع بين علم الخالق المطلق (حسب الاعتقادات الدينية) وحرية الاختيار الإنساني، هذه القضية وإن كانت دوما مكان جدال مستمر في المدارس الفلسفية المختلفة فإن معظم التوجهات الدينية تنحو إلى مواقف وسطية تثبت العلم المطلق للخالق (و هو أمر لا مفر منه في أي عقيدة دينية) مع حرية اختيار الإنسان (و هو أمر لازم لإثبات مسؤولية الإنسان تجاه أفعاله وهذا ما يبرر العقاب الأخروي في العقائد الدينية).

أفكار متعددة


 

الحرية أيضا إحدى أهم قضايا الشعوب وهي من أهم الأوتار التي يعزف عليها السياسيون، فالكل يطمح لاستقلال بلاده وأن يكون شعبه حرا في اتخاذ القرارات لمصلحة الشعب أو الجماعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه.
يمكن تقديم تعريف عام للحرية يشمل جميع أنواع الحرية الممكنة وهو كما يلي: "الحرية هي غياب الإكراه" ولأخذ بعين الاعتبار التعقيد في مجال تعريف الحرية والبرهنة على وجودها أو عدم وجودها نستحضر قولة الفيلسوف ألن يقول فيها: "إن تقديم حجة على وجود الحرية سيقتل الحرية". وقد يعترض معترض على أن الحرية توجد بالتعدد وليس بالمفرد: - ففي مجال الفيزياء مثلا هناك حرية سقوط الأجسام (أي يسقط الجسم بحرية بغض النظر عن كل القوى ما عدا الثقالة) - وفي مجال السياسية: حرية التجمع والرأي وتكوين الجمعيات... في الاقتصاد: التبادل الحر (أي التجارة التي لا تخضع لإكراهات جمركية ولفرض الأسعار...
- في الفلسفة: الحرية المعنية هي مفهوم الحرية بصفة عامة، أي كمفهوم بغض النظر عن هذه الوضعية التاريخية الاجتماعية أو تلك، وبهذا المعنى يقول أندري لالاند: "إن فكرة الحرية المطلقة التي يمكن أن ننعتها بالميتافيزيقية، وخاصة في تعارضها مع الطبيعة تقتضي وجود فعل إنساني محرر من جميع العلل" نستنتج من هذا التعريف: أن الحرية المطلقة هي القدرة على الفعل أو الامتناع عن الفعل في استقلال عن الإكراهات الخارجية والداخلية (أفكار وغرائز وعادات...)
تنحو العديد من الفلسفات والأديان والمدارس الفكرية إلى أن الحرية جزء من الفطرة البشرية فهناك أنفة طبيعية عند الإنسان لعدم الخضوع والرضوخ وإصرار على امتلاك زمام القرار، لكن هذا النزوع نحو الحرية قد يفقد عند كثير من البشر نتيجة ظروف متعددة من حالات قمع واضطهاد وظلم متواصل، أو حالة النشوء في العبودية، أو حالة وجود معتقدات وأفكار مقيدة قد تكون فلسفية أو غيبية أو مجرد يأس وفقدان الأمل بالتغيير.
لكننا لا نعدم أيضا توجهات فكرية فلسفية ودينية تنكر وجود إرادة حرة عند الإنسان وتعتبره خاضعا شاء أم أبى لسلطان قوى طبيعية أو غيبية، فبعض المدارس الفلسفية تعتبر الإنسان جزءا غير منفصل ولامفارق عن الطبيعة بالتالي هو يخضع لجميع القوانين الطبيعية التي تصفها بالحتمية وهذه المدرسة هي ما يعرف بالحتمية Determinism، بالمقابل توجد دائما توجهات ضمن معظم الأديان تعتبر الإنسان مجرد ريشة في مهب الريح لا يملك في قضية تقدير مصيره شيئا. هذه التوجهات تظهر بوضوح في الدين الإسلامي عند الفرق التي توصف بالجبرية، وعند بعض الطرق الصوفية

نتائج منطلقها الحرية


 

1- جانب عقلاني وهو التحرر من العقائد ومن التحيز، أي الخروج من الذات وفي الحكم (حكم أي إنسان على أي شيء).
2- جانب سياسي وهو تحرير الإنسان من بنيات اجتماعية غير متطورة.
و السهم يوجه هنا بالتحديد نحو فصل مؤسسات الدولة عن المؤسسات العقائدية، وتحديد الدولة ومؤسساتها بحقوق أساسية (دستور) ومراقبة المؤسسات عن طريق فصل السلطات.
والأهم هو حل ارتباط الدولة وشرعيتها بالقوانين العقائدية
والعودة إلى اهتمامات الأفراد كعنصر أساسي وتحقيق هذه العودة من خلال الديمقراطية (شكل الحكم القائم على حق التصويت العادل وبالتالي حكم الأكثرية).
"الحرية لا تاتتي من افواه العبيد ولماذا ننسى ان الشكل الكثر كلاسيكية للحرية هو الحقيقي والعميق والمدموغ.اذا كنتم تريدون الحرية دعوا الناس يجتمعون دعوا الناس تتحدث.وبالخصوص لا تكذبوا عليهم بالقول الكاذب بان الكرامة الشخصية او الباطن المطمئن هو الاساس من يقول هذا يكذب عليكم بينما هو في الحقيقة يشخصن كل شيئ "(مجهول)jguhoh

أقوال مشهورة

أقوال مشهورة
الحرية الكاملة هي التحرك ضمن القوانين الطبيعية وإمكانية إتخاذ القرارات الشخصية والقرارات بشأن الملكية الخاصة دون قيود، كما يريد الإنسان ودون أن يطلب هذا الإنسان الحق من أحد، ودون التبعية لإرادات الغير أيضا.
أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية.
لا أحد يستطيع إلزامي بطريقته كما هو يريد (كما يؤمن هو ويعتقد أن هذا هو الأفضل لي وللآخرين) لأصبح فرحا وسعيدا. كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحة بطريقته التي يريد وكما يبدو له هو نفسه الطريق السليم. شرط أن لاينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته.
السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءا منها) تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضاءها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف.

الإرادة الحرة


 

تعني قدرة الإنسان على التقرير والاختيار وانتخاب الإمكانية من عدة إمكانيات موجودة وممكنة. وهذا يعني قدرة الإنسان على اختيار وتعيين حياته الخاصة ورسمها كما يريد

الحرية الفردية والحرية الاجتماعية


 

الحرية الفردية هي حرية قول وإبداء وجهات النظر الخاصة والرأي واختيار مكان العيش والعمل وماشابه.
الحرية الاجتماعية هي حرية المجتمع كاملا (تحرير الأرض من الاحتلال مثلا).

صهيل الحرية.. في ميادين مصر !

فقر.. جوع.. بطالة.. أمّيّة.. أمراض.. فساد.. ظلم.. عمالة.. كل هذه قد تكون أسباباً جوهريّة لإطلاق أي ثورة في العالم.. ولكن حين يكون المطلب الأساس حريّة وكرامة.. فحينها تكتسي الثورة ثوباً بهياً.. وإن زيّنته بقعٌ حمراء.. هكذا انطبع في عقولنا.. مذ كنا صغاراً ونحن نردد.. وللحريّة الحمراء باب بكل يدٍ مضرّجةٍ يُدقّ!

هناك مواقف وأمور تبث السعادة في القلب.. قد تكون سجدةً عند كعبة مشرّفة.. أو نجاحاً في الحياة.. أو مولوداً جديداً ينبت في الحشا.. أو عطاءاتٍ تترى.. أو برّ والِدين ورضاهما.. عاقرتها جميعاً وسعدت.. ولكني حين نظرت هَبَّة الشعوب لانتزاع حريتها من طاغية تجبّر.. أدركت أن لهذه السعادة معايير أُخرى ولذة لا تزاحمها لذة! لأن مهرها غال وليس يبذلها أي أحد!


ثورة الياسمين.. ثم ثورة الخلاص.. وتعددت الأسماء لأيام الجُمع المباركة.. لإطاحة نظام لا مبارك.. كانت حصيلته خلال ثلاثين عاماً بلاوي عظيمة.. لعل أعظمها جعل مصر التي كانت أكبر وأقوى بلد عربي يُخشى، جعلها بؤر فساد سياسي واقتصادي وإعلامي.. وطُمِس الأحرار فيه وأُودِعوا السجون.. وبقي نفير الطوارئ يصمّ آذان الشرفاء ، وبقيت رياح الأسى والأذى تعصف بهم!

ولكن مهما عظم الباغي وتجبر لا بد أن ينكسر القيد في القلوب حين يبلغ الظلم مداه فتتململ وتنتفض!


ملايين الأحرار صدحوا بالحق وتجمّعوا ليقتلعوا الخبث.. ويزيحوا عن كاهل الأرض مُلكاً ثقيلا.. فسجدوا لله جل وعلا وحين تسجد القلوب والجباه لمن خلقها فلا بد أن يأتي النصر بإذنه جل وعلا..


شباب ونساء وشيوخ وأطفال.. امتطوا صهوة العز والكرامة وخرجوا يصدحون بالحق لا يرضون عنه بديلا.. خرجوا بأكفانهم.. لا يهابون الموت فالجنّة اشتاقت لروّادها وتزيّنت.. وما ضرّ الأرواح إذا زُهِقت إن كانت ثمناً للحريّة والكرامة؟! طوبى لهم من أرواح وطوبى لهم من أحرار!
كانت قلوبنا تلهج بالدعاء عند رؤيتهم وهم يصرخون في وجه الظلم: ارحل!

وما ساءني إلا مشاهد هزّتني من الأعماق!

مصلّون ساجدون يستقبلون القِبلة فيستقبلهم الأمن بخراطيم المياه.. وكان الأولى بالأمن أن يستعمل الماء لتطهير الأرض من بقايا النظام!.. خيول وجِمال لتفرقة الحشود.. ولم يكن ينقص سوى الفيل لينكشف أبرهة أكثر!.. ومشايخ أحترم وأُجِلّ يتوجّهون إلى المتظاهرين عبر محطات مبارك ليتكلموا عن التجمهر في ميدان التحرير كلاماً يجعل الغصّة تكبر وتكبر! وأتساءل: أين كان هؤلاء حين عربد النظام.. أين خطبهم الرنانة وخوفهم على مصر وهي تغرق في الذل والضعف والخيانة للعروبة والإسلام؟! أين كان خوفهم على الشعب حين جاع ومرض واختنق؟! أين كان خوفهم على الاقتصاد حين باع النظام الغاز للصهاينة بثمن بخس وبخسارة مصرية فادحة؟! أين كان وعيهم حين حوصِرت غزة ومُنِعت من الدواء والغذاء، وحين ضُرِبت جذور جدار فولاذي يشقّ ثوب العروبة شقّا؟! أين هم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم « أشد الناس عذابا يوم القيامة اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قوم وهم له كارهون ». رواه الترمذي في صحيحه ، وابن ابي شيبة في مصنفه عن عمرو بن الحارث بن المصطلق وصححه الألباني ، لم نسمع إدانة أو تعليقاً أو تصريحاً ولو خجولاً فما بال هؤلاء المشايخ اليوم يستأسدون على الجموع ويطالبونهم بالعودة إلى البيوت فقد قالوا كلمتهم ووصلت أصواتهم ومطالبهم!


لا لم تصل فضيلة الشيخ.. فقد صُمّت الآذان ، وعميت الأبصار ، والتصقت الأرواح بالكراسي.. كان الأولى أن تظهروا على الشاشات لتستنكروا شج الرؤوس وقتل الأبرياء بالرصاص والعصي والسلاح الأبيض في أياد سوداء! كان الأحرى بكم أن تطلوا على الفضائيات لتطالبوا النظام بالرحيل، وحقن الدماء، وكفّ الأذى.. علّ عهداً جديداً يطلّ يملأ الدنيا عدلا كما ملأها هذا النظام جورا!

ومشاهد لن أنساها ما حييت.. أعادتني بالذاكرة إلى محرقة غزة الأبية.. وقد حفرت في عمق الذاكرة، مناظر تقشعر لها الأبدان والقلوب إن وعت! فلم أتخيّل أن تُنتزَع الرحمة إلى هذا الحد إلا من قلوب الصهاينة أو أذنابهم في الأنظمة العربية!


سيارة إطفاء تدهس مواطناً على جنب الطريق.. أتراه مشعِل الثورة ذي الأجندة الخارجية؟! وسيارة أمن تمشي على مجموعة من المتظاهرين وتكمل مسيرها بعد أن تسقط الأبدان لتسمو الأرواح عالياً.. وسيارة دبلوماسية أميركية "مسروقة" تضرب جمعاً كبيراً من الناس وتمضي.. وإن كانت السفارة الأميركية سارعت بالتصريح بأن السيارة مسروقة لتُبعِد عن كاهلها شبح الشبهة فماذا تقول بالرصاص والأدوات التي يستعملها "الأمن" ضد الأبرياء وقد كُتِب عليها "صُنِع في الولايات المتحدة الأميركية"؟! ولِم كل هذا الصمت من حامية الحِمى والديمقراطية وراعية السلام والأمن والحرية على وجه الأرض؟! أم أن الخوف قد ابتلع الصهاينة والإدارة الأميركية نفسها من تغيير النظام في مصر، فحين يأتي الشرفاء والأحرار ويعتلون سدّة الحكم سيشكّل ذلك خطراً مباشراً على أمن "دولة بني صهيون" ومفاوضات "السلام" المزعوم.. أستغفر الله فهي مفاوضات الذل والخنوع والخيانة!!


ستبقى هذه الصور شاهدة على أسوأ حقبة تاريخية لمصر.. ولكنها ستنتهي بلا شك.. إن أصرّ الأحرار على معانقة الحرية والكرامة.. وإن التصقوا بالأرض وتمسكّوا بثوابت الثورة ولم يتنازلوا عنها.. وإن لم يرضخوا لضغوط عربية أو أجنبية مهما بلغت التضحيات.. هي الحقوق والحريات لا تُهدى وإنما تُنتزع انتزاعاً من أيدي العابثين المفرّطين!


فيا أحرار مصر.. "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".. والثبات الثبات.. فلا يغرّنكم أفول رمز للنظام وظهور آخر خواء رأسه وقلبه كالذي قبله!.. يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وقذف كل فريق بآخر ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول، والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها، فإذا ثبت تحول كل شىء عندها لمصلحته، وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً، ويبدأ الباطل طريقه نازلاً، وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة".. ولتكن مصر عمرو بن العاص كما أسماها شيخنا حامد البيتاوي حقاً وواقعا..


وغداً.. نهنئ مصر بعودتها إلى عرين الإسلام والعروبة.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون..

وستعود البركة إلى مصر "المباركة".. وستعود كلمة "مبارك" إلى قاموس الشعب المصري لينطقها وهو عنها راض! بإذنه..
 

المصدر: موقع صيد الفوائد

الحرية الخارجية والحرية الداخلية


الحرية الخارجية هي أمر اجتماعي عام وهام وله علاقة كبيرة بالظروف الاجتماعية والسياسية.
الحرية الداخلية هي حالة فردية خاصة مرتبطة بإمكانيات الفرد الداخلية (الشخصية الخاصة)

الحرية والحرية الموجبة


الحرية والحرية الموجبة

مفهوم الحرية السالبة كما الحرية الموجبة يعود إلى الفيلسوف إيمانويل كانت.
الحريه السالبة أو الشخصية هي إمكانية إتخاذ القرار دون قيود وهي حق طبيعي.
الحرية الموجبة حرية معطاة أو إمكانية معطاة ليستطيع الإنسان ممارسة الحرية السالبة (الشخصية) وهي حق إنساني أساسي
مثال : إذا كانت الحرية السالبة هي حرية إبداءالرأي مثلا, تكون الحرية الموجبة في هذا المثال : إمكانية استخدام الإعلام مثلا لممارسة هذه الحرية.

روح العبوديه فى مناخات الحريه


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إمايعد:
لم تدعُ شريعة سماويَّة إلى الحريَّة كما دعت إليها شريعة الإسلام، ولم تتحقَّق نعمة الحريَّة للكثير من المُستَعبدين رجالاً ونساء تحت ظروف القهر ومعاناة الإذلال كما تحقَّق ذلك في تاريخ الدولة الإسلاميَّة عبر مرِّ الدهور وكر العصور.

ولم يكن في إمكان الدول الغربيَّة المُعاصرة التي تزعم أنَّها رائدة الحريَّة أن تُحقِّق لشعوبها حالة الرفاه والنمو الاقتصادي، والأمن الحياتي على أعراضهم وأموالهم وأنفسهم وعقولهم، كما تحقَّق ذلك في العديد من العصور الإسلاميَّة،التي عدل كثير من حُكَّامها فأمنوا على أنفسهم، وأمنت مُجتمعاتهم حتَّى صاح من ليس منهم في أحد خلفاء المسلمين: عدلت فأمنت فنمت.

لكنَّ من أغلق على قلبه مفاتيح الولوج لفهم كتاب الله جلَّ وعلا ستتعقد لديه الأفكار في فهم كلام الواحد القهَّار، وسيظنُّ أنَّ كلام الله تعالى ما هو إلا داع للعبوديَّة فحسب -كما يظنُّه بعضهم فعلًا- دون مراعاة مُناخات الحريَّة! بل قد يفترضون وجود تضاد وتعارض بين الحريَّة والعبوديَّة، ولو أنَّه أجال بصره في كتاب الله تعالى لوجد فيه دلائل بيِّنة على أنَّ عبادة الله تعالى لن تنمو إلا بالجو الصحي البعيد عن حالة الإرهاب الفكري والقمع الديني.


لن ننعم بعبوديَّة الله إلاَّ بوجود نعمة الحريَّة!

إنَّنا إذ نقف وقفة تدبر أمام قوله تعالى : {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56]، نلحظ أنَّ الله تعالى ربط بين من أراد عبادته وإقامتها أن يتخيَّروا مكاناً في أرضه الواسعة وأماكنها الآمنة؛ لكي يتمكَّنوا من إقامة عبادتهم فيها على أتم ما يرام وأحسن ما يُراد.

وقد تصل المسألة لدرجة خطرة في جانب الاعتقاد، إن لم يستطع العبد ممارسة الشعائر أبدًا فيجب عليه الهجرة من تلك الديار إلى ديار أخرى يقيم فيها عبادة الله تعالى، ولقد حكم الله عز وجل على المؤمنين المضطهدين في أرضهم، ولا يستطيعون إقامة شعائرهم، ثم لا يهاجرون إلى بلاد آمنة، بأنهم ظالمين لأنفسهم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:97].

لقد حثَّ الله تعالى عباده على القيام بعبوديّته، ثمَّ امتنَّ عليهم بأن هيَّأ لهم مُناخ الحريَّة الملائمة للقيام بعبوديَّته تعالى، فالله تعالى قد أطعمهم من الجوع وآمنهم من الخوف، فليس لهم إلاَّ القيام بعبادته تعالى، فقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:3-4].

لقد لفت نظري وأنا أتأمَّل في أسرار آيات الذكر الحكيم، أنَّ من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، فلقد قدَّم خليل الرحمن وأب الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعاء الله تعالى بأن يرزق مكَّة الأمن والأمان، ثمَّ دعا الله تعالى عَقِبَ ذلك بأن يرزقه التوحيد وأن يُجنِّبه الشرك وعبادة الأصنام؛ لأنَّ الأمن هو أُسُّ الحياة، وسبيل للعيش على أرض الحياة، فلو عبد الناس ربَّهم وهم خائفون ولم يتحقَّق لهم الأمن في حياتهم، لما شعروا بلذَّة العبادة، وحلاوة الإيمان؛ لأنَّه لن يتحقَّق توحيد الله وعبادته حينما يشعر الناس بأنَّهم خائفون.

وحينما زعم بعض الناس عند رسول الله أنَّهم لا يستطيعون عبادة الله تعالى لأنَّهم قد يُتخطَّفون من أرضهم، وأنَّهم يذوقون الذل والاستعباد عند أهل الاستبداد في ذلك العصر، بينَّ تعالى أنَّ الحرم أمان لكل خائف ولن يشعر أحد فيه بالجوع والظمأ؛ لأنَّ خيرات البلاد تجبى إليه، فقال تعالى على ألسنة أولئك المعرضين عن الإيمان برسول الله: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص:57].

إنَّ ذلك يُشعرنا أنَّ الله تعالى لا يرضى لعباده تذوق المذلة في أجواء الإيمان وعبوديَّة الرحمن، وهم يُعانون من الكبت لحريتهم في عدم قيامهم بعبوديَّته تعالى، فالحريَّة للإنسان متعلقة بعبادة الرحمن، وحريَّة البشر تستلزم عبادة الرحمن، وعبادته تعالى تضمن لبني الإنسان حُريَّتهم، وكل حريَّة أنتجت جواً يعيش الناس فيه أحراراً في كل شيء إلاَّ في مجال عبوديتهم لربهم تبارك وتعالى فإنَّها حريَّة مُزيَّفة مهما كانت!

نعم قد يصبر المؤمن على الأذى في سبيل الله، ويتألَّم عندما يعاني من مرارة الحرمان من عبودية الرحمن تحت سطوة الجلاد، وسيبقى ثابتاَ شامخاً كالجبال الرواسي يهتف: (أحد أحد، فرد صمد)، لكنَّه حينما تُتاح له فرصة الهجرة في سبيل الله، فلا محالة سيخرج من تلك الديار، ولو كانت أحب البلاد إليه، فحب البلاد ليس أثمن من حب رب البلاد الذي أسكننا فيها وجعلها لنا مستقراً ومتاعاً إلى حين؛ لكي نعبد ربنا فيها ثمَّ نلاقيه ونرجع إليه في الحياة الأبديَّة السرمديَّة الخالدة في جنَّة الخلد.

لقد هاجر صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أن صبروا وصابروا تحت وقع التعذيب على أجسادهم بتهمة : (عبادة الرحمن والكفر بالأوثان)، لكنَّهم حينما رأوا أنَّ الوضع لم يكن متاحًا لعبادة الله تعالى، هاجروا هجرتين فمنهم من هاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام (مكة إلى المدينة)، ومنهم من هاجر من دار الخوف إلى دار الأمن (مكة إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة)، مع أنَّ ملك الحبشة يومئذٍ كان كافراً لكن مزيته أنَّه عادل في حكمه لا يُظلم عنده أحدا، وحينما التقى المسلمون بالنجاشي الذي لم يؤمن بالإسلام بعد، والتقى عدل الإسلام مع عدل الإنسان، غلب عدل الإسلام ذلك الإنسان العادل ـ فأعلن أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله.

ورحم الله النجاشي! فلقد تميَّزت مُدَّة حُكمه بالحريَّة الحقيقيَّة التي تسمح للحق أن ينتشر، ولا ترتضي للباطل أن ينتشر ولو كان ذلك باسم الحريَّة، فلا حريَّة متفلتة، إنما هي حرية العدل والانضباط، والنظام والارتباط بكل مصلحة حقيقيَّة لبني الإنسان.


إنَّ من عبد ربَّه حقَّ العبادة، سيرى كفاية الله له في ذلك ومُباركته في رزقه حينمما يسعى لتطلُّبه، وسيشهد أنَّ أسباب الرزق ستتيسَّر له بما لم يخطر على باله، وذلك حينما يُقيم عبادة الله تعالى كما يريد رب العباد لا كما يُريد العباد، فالله تعالى ليس بحاجة لنا، بل نحن عباده ونحن أحوج ما نكون إليه: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

وفي كتاب الله من الأسرار اللطيفة، فانتبه للربط العجيب بين غاية الرحمن في خلقه للجان والإنسان: (تحقيق العبادة)، وذِكر الرزق بعد ذلك ما يُجَلِّي لك أصل المسألة، بأنَّ الله تكفَّل لمن عبده بأن يرزقه حينما يُحقق عبوديَّته، فلقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58].


مآلات الإعراض عن عبوديَّة الله:

وفي مقابل ذلك نلحظ أنَّ المجتمع الذي أعرض عن عبادة الله، وبدأ يتفلَّت من قيود الشرع، فإنَّه مع بداية تفلته عن دستور الإسلام يبدأ الخلل يسري ويسير إلى دولة الأمن والأمان، ويبدأ اقتصاده بالتدهور والضعة، وقد لا يشعر الناس به في ذلك الوقت لكنَّ مزيدًا من السنوات، وجريان نواميس الله الكونية القدرية في هذه الأرض التي أعرض أهلها عن طاعة الله، فستبدأ كفَّة الميزان تتهاوى، حتى تصل تلك البلاد وأهلها إلى الشعور الحتمي بالخوف والجوع، ولا تنأ عن مطالعة هذه الآيات ففيها توضيح لمرادنا فلقد قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]؛ لأنَّهم أعرضوا عن شكر نعمة الله التي أنعم بها عليهم من الأمن والأمان، والشبع وعدم الجوع، وجحدوا عبادة الله تعالى، ولربَّما أرسل الله لهم الآيات والنذر لعلَّهم يستيقظوا ويرْعَوُوا عن غيِّهم، كما قال تعالى : {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد:31]، فأصابهم الله بسيئات ما كسبوا، والله لا يظلم الناس شيئاً، ولهذا يقول تعالى عنهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28-29].

وتأمل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15-17]، وصدق الله : {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}؟!

إذا الإيمان ضاع فلا أمان*** ولا دنيا لمــن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين*** فقد جعل الفناء لها قرينـا


إنَّه لا يُمكن أن يكون هنالك سبب حقيقي وجوهري لحالة سقوط الدول في ثُلاثي الخراب: الفقر والجهل والخوف؛ إلاَّ لإعراضهم عن العمل بما أنزل الله، ولو أنَّهم رجعوا إلى ربهم لبارك الله لهم في مالهم ورزقهم، فلقد قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}[المائدة:65-66]، ويقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].

أمَّا من تاب لربه وأناب، واتقى ربَّه واستغفره، فذلك كفيل لعودة النعم عليه وإغداقها، فالله تعالى يقول: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، ويقول تبارك وتعالى: وَمَنْ {يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3].


واجب المؤمنين بعد التمكين:

يقول الله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41].

عندما يُيسِّر الله تعالى لعباده المؤمنين القيام على شؤون العباد والبلاد، فعليهم بعد شكر الله تعالى على هذه النعمة التي أورثهم إيَّاها، أن يُراعوا أوامر الله ونواهيه، وأن يُطبِّقوها في أرض الواقع؛ فلن يثبِّت حُكمه ويُوطِّد مُلكه إلاَّ العمل على تطبيق الشريعة وتحكيمها في كافَّة شؤون الحياة، ومن أعرض عن ذلك فسيناله غضب من الله في الدنيا، وسيختلق له الناس غضباً من نوع آخر من حيث لا يحتسب، هذا عدا غضبه تعالى في الآخرة.

إنَّ من أعمدة التمكين لهذا الدين، أن يكون قادته قائمين بمُقوِّم عظيم من مُقوِّماته، وذلك بتحقيق العدالة الاجتماعية، لكي يرى من كان في قلبه مرض باتباعه أنَّ دين الإسلام قائم على العدل، وتأمين الناس على أرواحهم وممتلكاتهم، فيدعوهم ذلك ويحدوهم الحادي لاستطابة حُكم أهل الإيمان حينما رأوا أنَّ بمجيئهم قد حلَّ الأمن والأمان، بتحقيق العدل بين كافَّة الناس، ومن جميل ما قاله والي حمص عمير بن سعد رضي الله عنه في زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يزال الإسلام منيعًا ما اشتد السلطان، وليست شدة السلطان قتلًا بالسيف أو ضربًا بالسوط ولكن قضاءً بالحق وأخذًا بالعدل".

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته: "فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أنّ مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظلم فإنّه معمرها، والسلام".

إنَّ تحقيق معنى العدل والقسط والبر مع المسلمين وغير المسلمين، وربطه بالإسلام، وأنَّ هذه القِيم جاءت بها أوامر شرعية، سيهيء القلوب جُلَّها ولا أبالغ إن قلت كُلَّها للتمسُّك بتحقيق الشريعة، حيث يرونها هي الشرعية والشريعة في آن واحد للعيش تحت رايتها والتنعم برفاهيتها.

إنَّ من استلم زِمام الأمور، ورأى أنَّه ليس بتلك القدرة الكافية في التوطيد لحكم الله في الأرض، فيسعه أن يعمل بما يكلفه الله تعالى على قدره وطاقته ووسعه الصادق، فالتمكين في البلاد ليس مجرد إمساك زمام الأمور فيها، وكون الشخص رئيساً للبلاد والعباد فحسب والكل يتربص بهم من الشرق والغرب ومن الجبهة الداخلية،
بل إنَّ التمكين في البلاد هو القدرة على تطبيق شريعة الله تعالى كاملة غير مجتزأة مطلقًا، وهو الواجب الذي لا ريب فيه في حالة التمكين، أمَّا إن كان الأمر لم يكن على درجة التمكين، فعليه على الأقل أن يقوم بتوطين الناس على حب هذا الدين، والعمل بالتدرج لتطبيق شريعة رب العالمين، بالتزامن مع خطط الإصلاح والتغيير في مجال إدارة البلاد في تأمين الناس على أرواحهم، وتذليل الصعوبات لديهم في سبل العيش الكريم والإصلاح الاقتصادي العام.

إنَّ المُسلم المُعاصر وهو يُطبق شرع الله تعالى بشكل متدرج بناء على خطَّة زمنيَّة قام بدراستها مع أهل الحل والعقد والمشورة، فإنَّه وإن كان سيعاني من جرَّاء ذلك غضب المنافقين والكافرين ومكائدهم ومؤامرتهم، إلاَّ أنَّه حينما يعطي شعبه ما امتنَّ الله به عليهم لتحقيق عبوديته وهما : تحقيق الأمن، وتحسين أمور معيشتهم، فإنَّ الله تعالى سيسخّرهم لنصرته وتأييد حكمه، ولو كره الكافرون والمنافقون، فإنَّ من أحسن التعامل مع سنن الله في الكون والحياة ونواميس الله القدرية بما أراد الله منه شرعاً وديناً فلن يضيِّعه الله تعالى أبداً، فالذي لا يلبس إيمانه بظلم سواء أكان ذلك من قبيل الشرك بالله، أو تعميم الظلم على العباد وإبقاء حالات الظلم التي تصل لدرجة الكفر بالله، فالمؤمن إن تفادى ذلك كان حقًا أن ينصر الله تعالى، كيف وهو القائل: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].

لقد وعد الله أهل الإيمان حيث استخلفهم مِمَّن كانوا قبلهم من أهل الظلم والكفران بأنَّه سيُمكن لهم دينهم، وأنَّ الخوف سيزول ويحل مكانه الأمن التام، ليبقى أهل الإيمان دوماً في حالة العبوديَّة لله، فقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
يقول الإمام ابن كثير عند هذه الآية: "هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم".

إنَّ سنن الله تعالى لا تحابي أحدًا، فالقانون الإلهي منطبق على جميع الناس برهم وفاجرهم، ومن أعرض عن عبادة ربه بعد أن أورثه الله أرضه فسيناله قانون الجزاء من الله رب العالمين، ولهذا فإنَّ إهلاك الطغاة ومجيء أهل الإيمان بعدهم، ما هو إلاَّ اختبار وابتلاء وامتحان لهم ولإيمانهم بعد أن وُفِّقوا للجلوس على كرسي الحكم، فالله تعالى مراقب أعمالهم ناظر إليها بعد إهلاك عدوهم، وتأمل قول موسى عليه الصلاة والسلام لقومه: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:128-129].

إنَّ من أهم العوامل التي يجب العمل بها بعد تحقيق الأمن ونصر الله ورزقه لعباده المؤمنين، أن يشكروا الله تعالى على نعمه الجليلة التي أنعم بها عليهم، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].

إنَّ صبر المؤمنين على عملية التغيير في واقعهم النكد الذي تأثَّر بأوضار الجاهليَّة، وعدم استعجالهم في تنفيذ أوامر الله، بل إخضاعها لمجريات سُنن الله في الكون والحياة، مع عرق الجِباه وجدِّ الأُباة للتمكين لهذا الدين ومنازلة الأقدار الكونيَّة الشرعية بأوامر الله الشرعيَّة الدينيَّة، سيهيئ لهم ما أرادوه وطمحوا إليه من الأمن والأمان مع شرط البعد عن الاستعجال، فمن تعجَّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه، ونستذكر حديث الصحابي الجليل خباب بن الأرَتّ رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» (أخرجه البخاري) .

إنَّ الاستقامة على تحقيق منهج الإسلام بكليَّته، وتطبيقه على أهل البلاد المحكومة بشِرعة الإسلام، سيكون من نتائجها المُبهرة وفوائدها الزاخرة الأمن والفرح بفضل الله وبنعمة تحقيق وتطبيق شريعته، كما قال ربّنا -جلّ وعلا-: {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]، وكما قال سبحانه: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس:62-63].